فصل: (الشفاعة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد **


 ‏(‏الشفاعة‏)‏

الشفاعة لغة‏:‏ جعل الوتر شفعًا‏.‏

واصطلاحًا‏:‏ التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة‏.‏

والشفاعة يوم القيامة نوعان‏:‏ خاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وعامة له ولغيره‏.‏

فالخاصة به ـ صلى الله عليه وسلم ـ شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيذهبون إلى آدم، فنوح، فإبراهيم، فموسى، فعيسى، وكلهم يعتذرون إلا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فيشفع فيهم إلى الله فيأتي سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده‏.‏

وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصور المشهور لكن سنده ضعيف متكلم فيه وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر‏.‏

قال ابن كثير وشارح الطحاوية‏:‏ وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة‏.‏

وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج، ويشترط فيها إذن الله؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏}‏‏[‏ سورة البقرة، الآية‏:‏ 255‏.‏‏]‏‏.‏

النوع الثاني العامة‏:‏ وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحميمًا؛ لحديث أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس - أو كما قال - تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال - بخطاياهم فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة‏)‏ الحديث رواه أحمد‏[‏رواه مسلم، كتاب الإيمان ‏(‏185‏)‏، وابن ماجه، كتاب الزهد ‏(‏4309‏)‏، وأحمد ‏(‏3/11، 25، 79‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

قال ابن كثير في النهاية ‏(‏ص204 ج2‏)‏‏:‏ وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجها من هذا الوجه‏.‏

وهذه الشفاعة تكون للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين؛ لحديث أبي سعيد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وفيه‏:‏ ‏(‏فيقول الله تعالى‏:‏ شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا‏)‏ متفق عليه ‏[‏رواه البخاري، كتاب التوحيد ‏(‏7439‏)‏، ومسلم، كتاب الإيمان ‏(‏183‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة‏.‏

ونرد عليهم بما يأتي‏:‏

1- أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

2- أنه مخالف لإجماع السلف‏.‏

ويشترط لهذه الشفاعة شرطان‏:‏

الأول‏:‏ إذن الله في الشفاعة؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 255‏.‏‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ رضا الله عن الشافع والمشفوع له؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 28‏.‏‏]‏‏.‏ فأما الكافر فلا شفاعة له؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ‏}‏‏[‏ سورة المدثر، الآية‏:‏ 48‏.‏‏]‏‏.‏ أي لو فرض أن أحدًا شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة‏.‏

وأما شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذابًا، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار‏)‏ رواه مسلم ‏[‏رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار ‏(‏3883‏)‏، ومسلم، كتاب الإيمان ‏(‏209‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ فهذا خاص بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعمه أبي طالب فقط، وذلك والله أعلم لما قام به من نصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدفاع عنه، وعما جاء به‏.‏

‏(‏الحساب‏)‏

الحساب لغة‏:‏ العدد‏.‏

وشرعًا‏:‏ إطلاع الله عباده على أعمالهم‏.‏

وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ‏}‏ ‏[‏سورة الغاشية، الآيتان‏:‏ 25، 26‏.‏‏]‏‏.‏ وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في بعض صلاته‏:‏ ‏(‏اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا‏)‏‏.‏ فقالت عائشة‏:‏ ما الحساب اليسير‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه‏)‏ رواه أحمد ‏[‏‏"‏مسند أحمد‏"‏ ‏(‏6/48‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وقال الألباني إسناده جيد‏.‏

وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة‏.‏

وصفه الحساب للمؤمن‏:‏ أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، حتى إذا رأى أنه قد هلك‏.‏ قال الله له‏:‏ سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته‏.‏

وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق‏:‏ هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين‏.‏ متفق عليه من حديث ابن عمر ‏[‏رواه البخاري، كتاب المظالم ‏(‏2441‏)‏، ومسلم، كتاب التوبة ‏(‏2768‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهم سبعون ألفًا من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب‏[‏رواه البخاري، كتاب الطب ‏(‏5704‏)‏، ومسلم، كتاب الإيمان ‏(‏220‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعًا أن مع كل واحد سبعين ألفا ‏[‏رواه أحمد بلفظ‏:‏ ‏(‏ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا‏)‏ ‏(‏5/280، 281‏)‏‏.‏‏]‏ ، قال ابن كثير‏:‏ حديث صحيح وذكر له شواهد‏.‏

وأول من يحاسب هذه الأمة؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق‏)‏ متفق عليه ‏[‏هذا اللفظ في مسلم، كتاب الجمعة ‏(‏856‏)‏، وفي البخاري، كتاب الجمعة ‏(‏876‏)‏، ومسلم، كتاب الجمعة ‏(‏855‏)‏، بلفظ‏:‏ ‏(‏نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا‏)‏‏.‏‏]‏، وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا‏:‏ ‏(‏نحن آخر الأمم وأول من يحاسب‏)‏‏.‏ الحديث‏[‏‏"‏سنن ابن ماجه‏"‏، كتاب الزهد ‏(‏4290‏)‏ صححه الألباني‏.‏‏]‏‏.‏

وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله‏)‏ رواه الطبراني في ‏"‏الأوسط‏"‏ وسنده لا بأس به إن شاء الله، قاله المنذري في ‏"‏الترغيب والترهيب‏"‏ ‏(‏ص246 ج1‏)‏‏[‏ رواه الترمذي، كتاب الصلاة ‏(‏413‏)‏، والنسائي، كتاب الصلاة ‏(‏467‏)‏، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة ‏(‏1426‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء‏)‏ متفق عليه ‏[‏رواه البخاري، كتاب الرقاق ‏(‏6533‏)‏، ومسلم، كتاب القسامة ‏(‏1678‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏